من قصص الأجداد اللي تحكي عن الصبر والعزيمة، قالتلي عمتي عن جدتي وكيف كانوا في زمانهم يخططوا ويواجهوا الصعاب علشان يبنوا حياة أفضل.القصة هادي صارت في الأربعينات القرن الماضي تقريبا في أوجلة، لما كان جدي يشتغل في "جبد المياه" من آبار مزارع الناس مقابل أجر بسيط جدا، بالكاد يكفي قوت يومهم.
في يوم من الأيام، قالتله جدتي: "ليش ما تديرش مزرعة ليك؟ بدل ما تخرج الماء للناس، خلي تستفيدونستفيد بيه ونزرع وناكل من أرضك." جدي كان يسمع كلامها، لكن رد عليها وقال: "منين بنجيب الكرناف؟" الكرناف هذا هو جزء من النخيل كانوا يستخدموه زمان بدل الطوب في بناء جدران الآبار، وكانوا يرتبوه بشكل متقن يمنع انهيار البئر أو تسرب التربة.
جدتي ما كانتش ناوية تتراجع، قالتله: "الكرناف موجود! تكلمت مع ولدي احميدة والبنات، وقالوا إنهم بيجيبوه من مكان بعيد على أطراف المدينة، يسموه نوّارة.المنطقة هادي كانت كتبان رملية صعبة، محاطة بأرض سبخة، لكن النخيل كان يقدر يعيش فيها عكس باقي الأشجار، لأنها ما تتأثرش كثير بملوحة التربة والتنقل منها واليها صعب للغاية وخصوصا انها تستلزم مئات مرات تحميل الكرناف ع الحمار ذهاب وعودة."
بالرغم من أن الطريق طويل، والكمية المطلوبة كبيرة، إلا أن جدتي قالتله إن الجميع مستعد يعاون.لكنها عارفة إن حفر البئر في أوجلة، المنطقة اللي تعتمد كليا على الري بسبب شح الأمطار، مش بس يحتاج كرناف، بل يحتاج تخطيط أكثر.
جدي سألها سؤال ثاني مهم: "والدقيق؟ لازم اثناء الحفر ولما نكمل البئر نديروا وليمة للعيلة والجيران، والعصيدة تكون هي الوجبة الرئيسية."
هنا جدتي فاجأته وقالتله: "الدقيق موفراه! كنت مع كل مرة ندير عصيدة ناخذ حفنة صغيرة ونخبيها في جرة. ومع الوقت الجرة امتلت، والدقيق يكفي للوليمة."
جدي اقتنع بالفكرة، وفعلاً بدأوا في حفر البئر وإنشاء المزرعة، وكان المشروع هذا بداية تغيير حياتهم. صحيح إن المزرعة كانت صغيرة بحكم إن المياه كانت تستخرج بالدلو، لكن بالنسبة لهم كانت حلم كبير يتحقق.
القصة هادي تعكس كيف كانت الحياة صعبة، وكيف كانوا أهلنا يواجهوا المصاعب بالصبر والتعاون.جدي وجدتي توفاهم الله قبل ما نتولد، وحتى والدي " احميدة" الله يرحمه توفى من أكثر من عشر سنوات. لكن القصة هادي تبقى شاهد على قوة إرادة الأجداد وحكمتهم.
بإذن الله، هنشارككم قصص ثانية من حياة الأجداد لاحقا، لأنها جزء من تراثنا اللي لازم نفتخر بيه ونحافظ عليه.
إرسال تعليق